آخر الأخبار

الأمن المجتمعي أولوية لا بد من مواجهة كل من يعبث به

ما أؤمن به راسخ وواضح مهما بلغت التحديات: في مواجهة ثقافة الخوف التي تصنعها سلوكيات البلطجة، لا حياد ولا مهادنة مع من يعبث بطمأنينة الناس، أو يظن أن بإمكانه ترويع الآخرين والتغول على سمعتهم أو المساس بإستقرارهم من دون رادع.

لذلك، لن أنسى ذاك اليوم الذي تلقيت فيه رسالة تهديد من شخص مجهول، يعلن فيها عزمه الحضور إلى منزلي والاعتداء عليّ وعلى أسرتي. لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل جاءت في وقت بالغ الحساسية، وتحمل نبرة شخص مأجور، تحركه أسرة مرتجفة تعتنق فكرًا إجراميًا رخيصًا، غارقة في عالم الجريمة حتى أذنيها!

لم يهزني ذلك التهديد — بل كشف لي بوضوح أن هناك فئة مغيّبة تعتقد أن فكرها المتطرف، المستورد من بيئات مأزومة تعتاش على الحرمان والتطرف الفكري والسلوكي، يمنحها الحق في ممارسة بلطجتها في مجتمعنا الكندي، مستفيدة من ظنها المضلل لها أن هناك ضعف في المحاسبة وتراخي في الردع القانوني خاصة في أوساط الجاليات والمغتربين.

وعندما قرأت في الأخبار عن أحداث مشابهة لهذا الفكر الإجرامي الوضيع، أمسكت قلمي ونسّقت أفكاري لأخلق فكرة هادفة تدق ناقوس الخطر، خاصة فيما يتعلق بتهديد السلم المجتمعي، وضرورة حمايته بكل الوسائل والسبل، على أمل أن يصبح أولوية نافذة لا تقبل التهاون.

ففي ظل تصاعد حوادث غريبة من نوعها — مثل اقتحام المنازل، أو التهديد العلني بالاعتداء على أفراد داخل بيوتهم، أو جرائم القتل، أو محاولات المجرمين تقمص دور الضحية ببراعة للتغطية على جرائمهم البشعة — أصبح من الواضح أننا أمام إنذار مبكر: ثقافة السلم المجتمعي باتت مهددة.

بعض المجرمين باتوا يتحركون دون خوف من العقاب، ويتباهون بقدرتهم على التحايل على القانون، واستخدام المال القذر لحماية أنفسهم من المحاسبة.

نعم، نحن أمام محطة بالغة الخطورة. وإن لم يُواجه هذا الانفلات بسرعة وحزم، فإننا بذلك نمنح شرعية زائفة لهذا العبث، ونفتح المجال لتغلغل ثقافة الجريمة في أوصال المجتمع.

من العبث إلى التهديد

العبث بالأمن المجتمعي — سواء عبر جرائم السطو، أو التحريض، أو التشهير، أو ترويج فكر تحدي القانون، أو سرقة السيارات، أو إحراق المنازل، أو إغراقها عمدًا بالمياه، أو حرق المحال التجارية، أو الاحتيال على شركات التأمين، أو استهداف الوافدين الجدد وسرقة أموالهم، وغيرها من الأساليب الإجرامية الرخيصة — لم يعد سلوكًا فرديًا عابرًا، بل أصبح تهديدًا مباشرًا للسلم الاجتماعي.

وللأسف، لا تزال هذه الأفعال تُقلّل من خطورتها في بعض الأوساط، حتى تتراكم وتتحول إلى نمط يومي يشكّل ثقافة موازية خارجة عن القانون، تستمد قوتها من صمت المجتمع وتراخي مؤسساته.

وإن تبرير مثل هذه الأفعال بذريعة “الضغوط النفسية” أو “الحاجة” والصمت عليها أو العجز أمامها هو استهانة بحقوق الضحايا وشرعنة صريحة للعنف، بل إنه يغتال ما تبقى من مفهوم العدالة في الوعي الجماعي.

حيث أن المجتمع الذي لا يرسم خطوطًا حمراء صارمة حول أمن أفراده، يفتح الباب طواعية لهذه السلوكيات الشاذة، ويمهّد الطريق أمام ثقافة الإفلات من العقاب.

الأمن المجتمعي مسؤولية جماعية

الدولة مسؤولة، نعم، لكن المجتمع بكل مكوناته لا يمكن أن يتنصل من واجباته.

الجار، المدرسة، الإعلام، المؤسسة الدينية، وحتى منصات التواصل — جميعهم شركاء في بناء الأمن المجتمعي أو هدمه.

لذلك إن الإبلاغ عن مثل هذه السلوكيات الخطرة، هو جزء أصيل من التربية على احترام القانون، ورفض التطبيع مع ثقافة التهديد والعنف.

إن هذه الثقافة ليست ليست خياراً … بل هي ترسيخ لواجبات وطنية وأخلاقية ومجتمعية.

لذلك لا حياد في أمن الناس

حين يتعلق الأمر بحياة الناس وسلامتهم، لا مكان للحياد.
لا حياد مع من يتسلل إلى البيوت.
لا حياد مع من يروّع الأسر.
لا حياد مع من يعبث بطمأنينة المجتمعات.

الصمت في هذه الحالات هو تواطؤ غير مباشر، والمواقف الرمادية ليست إلا وقودًا لسلوكيات اجرامية اكثر توسعاً وجرأة.

وهنا لا يوجد خيار غير أن الرسالة يجب أن تكون حاسمة وهي:

لن يُسمح بالعبث، بكل أشكاله، سواء كان ذلك من خلال التشهير بهدف العزل، أو السيطرة على الآخر وتغييبه وسلبه حرية الاختيار، أو تزوير الحقائق، أو الاحتراف بلعب دور الضحية.

ليس لأن القانون يحرّمه فقط، بل لأن كرامتنا، واستقرارنا، ومستقبل أولادنا يرفضه جملة وتفصيلًا.

كلمة أخيرة

في النهاية، الأمن المجتمعي ليس ترفًا… بل حق أساسي.

وهو ليس رفاهية في الاختيار، بل واجب في الدفاع عنه.

واجبٌ نحميه بالقانون، والوعي، والكرامة.

وإذا فرّطنا فيه أو سكتنا عن من يهدده، سنصحو يومًا على مجتمع لا نعرف فيه من أين يأتي الخطر… ولا أين يمكن أن نختبئ من تداعياته.

فلنضع الأمن المجتمعي في مقدمة أولوياتنا،

ولنتعامل مع كل من يهدده بوعي، وصرامة، وشجاعة.