أوتاوا – عرب كندا نيوز
في قاعة صناعية جنوب مدينة إدمونتون، وقف زعيم المحافظين الكندي بيير بوليفير وسط حشد جماهيري ضخم، يلوّح بقبضته في الهواء وهو يردد عبارته الشهيرة: “كندا أولاً… لنستعدها!”، بينما تصعد زوجته آنايدا على المسرح لتشاركه اللحظة في مشهد تكرر في تجمعاته من هاملتون إلى فريدريكتون.
منذ توليه زعامة الحزب في عام 2022، جعل بوليفير من هذه التجمعات الشعبية ركيزة لحملته، يغذيها بخطاب تعبوي يلامس هموم المواطن الكندي العادي، ويتفاعل معها جمهور مخلص، كثير منهم من متابعيه على وسائل التواصل.
لكن المسافة بين هذا الزخم الجماهيري وصعوده الأول في مشهد السياسة الفيدرالية قبل 20 عامًا تبدو بعيدة جدًا. ففي عام 2004، انتخب بوليفير نائبا شابًا في عمر الـ25 عن دائرة نيبيان-كارلتون، وكان أصغر أعضاء الكتلة المحافظة آنذاك إلى جانب أندرو شير، وحمل لقب “سكيبي” بين زملائه.
صعود لا يعرف التوقف
تعرف عليه مدرب اللياقة توني غريكو لأول مرة في ناديه الرياضي، ووصفه بـ”الشاب النحيل الذي يبدو في الثانية عشرة”، لكنه سرعان ما أدرك أن خلف هذا المظهر شخصية لا تعرف الكلل، قائلاً: “كان لا يصدق في تمارينه… لا يستسلم أبدًا”.
تلك الروح، يقول المقربون، هي سر صعوده من نائب عادي إلى وزير ثم زعيم حزب طامح لرئاسة الوزراء.
من جذور متواضعة إلى المنصة الوطنية
ولد بوليفير في كالغاري لأم في السادسة عشرة، وتم تبنيه من قبل عائلة من المعلمين، وتربى في بيئة محافظة تبنّى فيها أفكار الإصلاح المالي مبكرًا. في مؤتمر حزب الإصلاح عام 1996، صرّح بأنه يدعم الحزب بسبب قلقه على الوضع المالي للبلاد.
يقول بوليفير إنه لم يغيّر أفكاره منذ شبابه، ويؤكد أن مقالاته في الجامعة تعكس ذات القناعات التي يحملها اليوم: تقليص دور الحكومة، وتمكين المواطنين اقتصاديًا واجتماعيًا.
التحول والتحديات
مع بداية عام 2025، بدا أن بوليفير يتجه بثقة نحو الفوز، مستفيدًا من تراجع شعبية الليبراليين. لكن تغير الأوضاع العالمية، وتصاعد تأثير دونالد ترمب، إضافة إلى الحرب التجارية، دفعه إلى تعديل رسائله الانتخابية، متخليًا جزئيًا عن خطاب “خفض الكربون والأسعار”، متجهًا نحو تطمين الناخبين بأنه لن يمس برامجي العناية بالأسنان، ودور الحضانة، والمساعدات الطبية للموت الرحيم.
هذا التغيير، وإن كان ضروريًا، إلا أنه خلق انطباعًا لدى البعض بأنه بات متناقضًا أو “متكلفًا”، في حين يرى آخرون أنه محاولة للانفتاح على فئات جديدة من الناخبين، خاصة النساء والطبقة الوسطى.
الوجه الآخر للصلابة
معارضو بوليفير يصفونه بالعدوانية والتشابه مع ترامب، بينما يرى مؤيدوه أنه صوت من لا صوت لهم، يتحدث عن ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية. تقول جيني روث، مستشارته السابقة، إنه “غاضب نيابة عن الناس الذين سُحقوا”، مضيفة أنه “يتحدث مباشرة، بلا مجاملات”.
ويقول فريد دي لوري، مدير حملة 2021: “بوليفر محترف سياسي من الطراز الأول… لكنه ليس رجل دولة بعد”. ويرى آخرون أنه بارع في تبسيط الملفات المعقدة بلغة تصل إلى الكنديين.
السوشيال ميديا كسلاح استراتيجي
يراهن بوليفير على وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهور يتجاهل الإعلام التقليدي. وهذا النهج يصفه رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر بـ”التقاط الموجة الشعبوية”، معتبرا أن بوليفر “أكثر محافظة من ترامب”، لكنه استفاد من أدوات الخطاب الشعبوي بذكاء.
ويستقطب بوليفير فئات جديدة، كالمهاجرين الشباب والرجال في مقتبل العمر، وهي تغييرات يراها المراقبون مؤشرًا على تحول عميق في المزاج الانتخابي الكندي.
هل يصمد أمام الاختبار؟
رغم تراجع تقدم المحافظين في استطلاعات الرأي، لا يزال بوليفير في سباق متقارب مع الليبراليين. ولكي يحقق الفوز، سيحتاج إلى تحويل الحماس الجماهيري إلى أصوات فعلية يوم الاقتراع.
يقول غريكو، صديقه القديم: “بوليفير يكره الخسارة… سيبذل كل ما بوسعه للفوز”، مضيفًا أن تجربته الشخصية معه في لحظات إنسانية صعبة كشفت له جانبًا من الوفاء لا يراه كثيرون.
الخلاصة
بيير بوليفير ليس مجرد سياسي محافظ تقليدي، بل حالة سياسية جديدة في كندا: زعيم ذو رؤية أيديولوجية واضحة، وشعبية جماهيرية حقيقية، لكنه أمام أكبر امتحان في حياته المهنية – إثبات أنه لا يمتلك فقط القدرة على المعارضة، بل على الحكم.