فرت عائلة حمدان المكونة من حوالي عشرة أشخاص من ثلاثة أجيال من منزلهم في منتصف الليل بعد أن أمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
ووجدوا ملجأً لدى أقارب لهم في مبنى يقع شمالاً، داخل المنطقة الآمنة التي أعلنتها إسرائيل. ولكن بعد ساعات من وصولهم، أصابت غارة جوية إسرائيلية بعد ظهر يوم الثلاثاء المبنى الذي يقيمون فيه في بلدة دير البلح، مما أسفر عن مقتل تسعة أفراد من العائلة وثلاثة آخرين.
وفي المجمل، كان من بين القتلى خمسة أطفال وثلاث نساء، وفقاً لسجلات المستشفى وأحد الأقارب الذين نجوا.
أدى الأمر الذي أصدرته إسرائيل يوم الاثنين للناس بمغادرة النصف الشرقي من خان يونس - ثاني أكبر مدينة في المنطقة - إلى هروب جماعي ثالث للفلسطينيين خلال عدة أشهر، مما أدى إلى تفاقم حالة الارتباك والفوضى والبؤس لدى السكان بينما يتدافعون مرة أخرى للعثور على الأمان.
ويعيش نحو 250 ألف شخص في المنطقة التي يشملها الأمر، بحسب الأمم المتحدة. وكان الكثير منهم قد عادوا للتو إلى منازلهم هناك بعد فرارهم من الغزو الإسرائيلي لخان يونس في وقت سابق من هذا العام - أو لجأوا للتو إلى هناك بعد هروبهم من الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح جنوباً.
أدى الأمر أيضًا إلى رحلة محمومة من المستشفى الأوروبي العام، ثاني أكبر مستشفى في غزة، والذي يقع في منطقة الإخلاء. تم إغلاق المنشأة بعد إجلاء الموظفين وأكثر من 200 مريض خلال الليل يوم الثلاثاء، إلى جانب آلاف النازحين الذين لجأوا إلى أراضي المستشفى، وفقًا للموظفين واللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي كان لديها فريق طبي هناك.
وقال هشام مهنا، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، إن بعض العائلات قامت بجر المرضى في أسرة المستشفيات عبر الشوارع لمسافة تصل إلى 10 كيلومترات (ستة أميال) للوصول إلى بر الأمان.
وقال الممرض محمد يونس إن سيارات الإسعاف نقلت آخرين إلى مكان آخر بينما قام الموظفون بنقل المعدات القيمة، بما في ذلك أجهزة الأشعة السينية والموجات فوق الصوتية وأجهزة التنظير التي أصبحت الآن نادرة للغاية.
وبعد ساعات من أمر الإخلاء، قال الجيش الإسرائيلي إن المستشفى لم يكن مدرجا في هذا الأمر. لكن العاملين قالوا إنهم يخشون تكرار الغارات الإسرائيلية السابقة على مستشفيات أخرى في غزة.
وقال مهنا: "لقد تحولت العديد من المستشفيات إلى أنقاض وتحولت إلى ساحات قتال أو مقابر".
وداهمت إسرائيل المستشفيات قائلة إن حماس تستخدمها لأغراض عسكرية، وهو ادعاء ينفيه المسؤولون الطبيون في غزة.
وخرجت يوم الثلاثاء سيارات محملة بممتلكات شخصية من شرق خان يونس، لكن لم يعرف على الفور عدد الفارين. وتأتي هذه الهجرة الجماعية الجديدة بالإضافة إلى المليون شخص الذين فروا من رفح منذ شهر مايو/أيار، بالإضافة إلى عشرات الآلاف الذين نزحوا الأسبوع الماضي بسبب الهجوم الإسرائيلي الجديد على منطقة الشجاعية شمال قطاع غزة.
وقال منير حمزة، وهو أب لثلاثة أطفال فر مساء الاثنين من منزله في المنطقة الشرقية من خان يونس للمرة الثانية: "لقد تركنا كل شيء وراءنا". "لقد تعبنا من التنقل والنزوح.. هذا أمر لا يطاق".
لا يوجد مكان آمن
وقالت أسماء سليم، وهي قريبة تعيش في المبنى الذى لجأت إليه عائلة حمدان، إن ما يصل إلى 15 فردًا من عائلة حمدان فروا من منزلهم في خان يونس ووصلوا في وقت متأخر من يوم الاثنين إلى مبنى عائلتهم الممتدة في دير البلح.
ويقع المبنى داخل المنطقة الإنسانية الممتدة التي أعلنها الجيش الإسرائيلي عندما بدأ هجومه على رفح في مايو/أيار، وطلب من الفلسطينيين الإخلاء هناك بحثاً عن الأمان.
جاءت الضربة حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر. يوم الثلاثاء، ويُظهر مقطع فيديو لوكالة أسوشيتد برس طابقًا كاملاً من المبنى وقد تم تدميره. وقال سالم لوكالة أسوشييتد برس: "لقد استشهد جميع من كانوا بالداخل تقريبًا، ولم ينج سوى اثنين أو ثلاثة".
ووفقًا لقائمة بأسماء القتلى نشرت في مستشفى شهداء الأقصى القريب إن من بين القتلى رب الأسرة طبيب الأمراض الجلدية حسام حمدان البالغ من العمر 62 عاما، فضلا عن زوجته وابنهما البالغ وابنته. كما قُتل أربعة من أحفادهم، الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وخمس سنوات، وأم لطفلين. كما قُتل في الغارة رجل وابنه البالغ من العمر خمس سنوات، وكانا يعيشان في المبنى، ورجلًا في الشارع بالخارج، وأصابت 10 أشخاص آخرين، بينهم عدة أطفال.
ولم يستجب الجيش الإسرائيلي على الفور لطلبات التعليق على الغارة.
رحلة من خان يونس
ويشير أمر الإخلاء الصادر يوم الاثنين إلى احتمال حدوث هجوم بري جديد على خان يونس رغم عدم وجود علامة فورية على حدوثه، وشنت القوات الإسرائيلية هجوما استمر أشهرا هناك في وقت سابق من هذا العام، واشتبكت مع مقاتلي حماس وتركت مساحات واسعة من المدينة الجنوبية مدمرة أو متضررة بشدة.
وعادت إسرائيل مراراً وتكراراً إلى أجزاء من قطاع غزة التي غزتها من قبل للقضاء على اعضاء حماس الذين قالت إنهم أعادوا تنظيم صفوفهم، وهو مؤشر على استمرار قدرات حماس حتى بعد ما يقرب من تسعة أشهر من الحرب في غزة.
وأدت الحملة الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 37.900 فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقاً لوزارة الصحة في غزة، و شنت إسرائيل حملتها بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر والذي قتل خلاله حوالي 1200 شخص في جنوب إسرائيل واحتجزوا حوالي 250 آخرين كرهائن.
وقال الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء إنه يقدر أن حوالي 1.8 مليون فلسطيني يتواجدون الآن في المنطقة الإنسانية التي أعلنها، والتي تغطي مساحة تبلغ حوالي 14 كيلومترًا (8.6 ميلًا) على طول ساحل غزة على البحر الأبيض المتوسط، فيما تقول الأمم المتحدة والجماعات الإنسانية إن معظم هذه المنطقة مغطاة الآن بمخيمات تفتقر إلى المرافق الصحية والمرافق الطبية مع محدودية إمكانية الحصول على المساعدات، وتعيش العائلات وسط جبال من القمامة ومجاري المياه الملوثة بمياه الصرف الصحي.
لقد انخفضت كمية المواد الغذائية والإمدادات الأخرى التي تدخل غزة منذ بدء الهجوم على رفح، وأكدت الأمم المتحدة إن القتال والقيود العسكرية الإسرائيلية والفوضى العامة - بما في ذلك نهب الشاحنات - تجعل من المستحيل تقريبًا أن نقل الشاحنات المحملة بالبضائع التي سمحت إسرائيل بدخولها. ونتيجة لذلك، تتكدس بضائع دون ان يتم جمعها لنقلها داخل غزة عند معبر كرم أبو سالم الرئيسي ، بالقرب من رفح.
وقال المجلس النرويجي للاجئين الأسبوع الماضي إنه أجرى مسحا لنحو 1100 أسرة فرت من رفح، وأفاد 83 في المائة منها بعدم حصولهم على الغذاء، وأكثر من نصفهم لا يحصلون على مياه صالحة للشرب.
وفي يوم الثلاثاء، حاولت المزيد من العائلات الهاربة من خان يونس العثور على مكان لها في المنطقة، و قالت أم عبد الرحمن إنها وأسرتها المكونة من أربعة أطفال – أصغرهم يبلغ من العمر ثلاث سنوات – ساروا لساعات أثناء الليل للوصول إلى المنطقة ولم يجدوا مكانًا للإقامة.
مضيفة: "لا يوجد مكان لأحد"، "نحن ننتظر وليس لدينا ما نفعله سوى الانتظار".
وقالت نهى البنا إنها نزحت أربع مرات منذ فرارها من مدينة غزة في الشمال في بداية الحرب.
"لقد تعرضنا للإهانة"، "لا يوجد طعام مناسب، ولا مياه مناسبة، ولا حمامات مناسبة، ولا مكان مناسب للنوم، فقط خوف، خوف، خوف. ليس هناك أمان. لا أمان في المنزل، ولا أمان في الخيام".