تسببت ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة الاحتباس الحراري والفيضانات وموجات الجفاف والظروف المناخية المتقلبة وخاصة شهر أغسطس/ آب الذي كان الأكثر جفافاً منذ أكثر من قرن من الزمان إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأكثر من 11 في المئة في الهند، التي تُعَد لاعباً رئيسياً في تجارة المنتجات الزراعية عالمياً.
ومع بدء انخفاض أسعار الطماطم، ارتفعت أسعار البصل بمقدار الربع منذ يونيو/حزيران في السوق المحلية. وارتفعت تكلفة البقوليات المستخدمة في صنع حساء العدس المتواضع بنسبة 20 في المئة.
يقول بعض الاقتصاديين إن الهند تعاني من "مشكلة الكاري"، حيث قفزت تكلفة الوجبة النباتية العادية في شهر يوليو/تموز وحده، بمقدار الثلث.
ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات في الولايات الرئيسية هذا العام والانتخابات العامة الصيف المقبل، سارعت الحكومة الهندية إلى التحرك، فأطلقت عدداً من التدابير للجم تضخم أسعار الغذاء.
وبعد فرض حظر على تصدير القمح في مايو/أيار 2022، أعلنت الهند وقفاً مفاجئاً لصادرات الأرز الأبيض غير البسمتي الشهر الماضي.
ويعتقد المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) أن الأمر كذلك، خاصة فيما يتعلق بالأرز والسكر والبصل. على مدى العقد الماضي، برزت الهند باعتبارها أكبر مصدر للأرز في العالم حيث تبلغ حصتها في السوق 40 في المئة وثاني أكبر مصدر للسكر والبصل.
قفز مؤشر أسعار الأرز التابع لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) بنسبة 2.8 في المئة في يوليو/تموز - وهو أعلى مستوى له منذ سبتمبر/أيلول 2011، مدفوعاً في الغالب بزيادات في أسعار صنف إنديكا من الأرز الذي حظرت الهند صادراته. وقالت الفاو إن هذا أدى إلى تفاقم "الضغط صعوداً" على أسعار الأرز من مناطق أخرى.
وقال جوزيف غلوبر، كبير الباحثين في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، لبي بي سي: "منذ إعلان الحظر في أواخر الشهر الماضي، ارتفعت أسعار الأرز التايلاندي بنسبة 20 في المئة".
وقد يكون تأثير ذلك وخاصة على فقراء العالم مدمراً مع اشتداد انعدام الأمن الغذائي في 18 "نقطة جوع ساخنة" حددتها منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
يعد الأرز جزءاً من النظام الغذائي الأساسي او يمثل حصة كبيرة من استهلاك السعرات الحرارية للملايين في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا. والهند هي المورد الرئيسي لهذه الأسواق.
تحصل 42 دولة في آسيا ودول جنوب الصحراء الكبرى على 50 في المئة من إجمالي وارداتها من الهند، وترتفع هذه النسبة إلى 80 في المئة في بعض البلدان وفقاً للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ولا يمكن "استبدال حصة الهند بسهولة بواردات من دول مصدرة كبيرة أخرى مثل فيتنام أو تايلاند أو باكستان".
ويقول أوبالي غالكيتي، كبير الاقتصاديين في قسم الأسواق والتجارة لمنظمة فاو، إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية يمكن أن يكون له أيضاً تداعيات أخرى في هذه البلدان، مثل إبقاء فواتير الواردات الغذائية مرتفعة، مما يؤدي إلى استخدام العملات الأجنبية الثمينة، وبالتالي تفاقم مشاكل ميزان المدفوعات والمساهمة في التضخم".
ولكن لا يجوز لنا أن نلقي باللائمة عن الزيادة في أسعار الغذاء العالمية على إجراءات الهند وحدها.
ومن العوامل الرئيسية الأخرى المساهمة في ذلك إنهاء مبادرة حبوب البحر الأسود بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والظروف المناخية القاسية في مختلف أنحاء العالم.
وقال غالكيتي لبي بي سي إن الجمع بين ديناميكيات السوق هذه "أدى إلى عكس الاتجاه الهبوطي في أسعار المواد الغذائية العالمية الذي لوحظ منذ منتصف العام الماضي".
وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية إلى أعلى مستوياتها التاريخية على الرغم من التباطؤ في أجزاء كثيرة من العالم مثل الصين. ويؤثر هذا على أسعار المواد الغذائية العالمية بسبب ضعف الطلب من هذه الأماكن.
ويتوقع البنك الدولي أن ينخفض متوسط مؤشر أسعار المواد الغذائية في عام 2023 مقارنة بعام 2022، مدفوعا بانخفاض أسعار النفط والحبوب.
لكن الخبراء يقولون إن مسار الأسعار في المستقبل سيعتمد على تأثير ظاهرة نينيو المناخية (وهي ظاهرة مناخية تحدث بشكل طبيعي وتقترن بارتفاع درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرق المناطق الاستوائية في المحيط الهادئ، وتحدث ظاهرة النينيو في المتوسط كل سنتين إلى سبع سنوات، وتستمر الموجات عادةً من 9 إلى 12 شهراً) ، وهو أمر يمكن أن يكون له تأثير طويل الأجل، ويفرض المزيد من الضغوط على أسواق المواد الغذائية