آخر الأخبار

دراسة نقدية في ديوان ( قادمة إليك) للشاعرة ناريمان إبراهيم

بلاغة الصورة الفنية في ديوان (قادمة إليك) لنريمان إبراهيم

د. عبد الرحيم حمدان

ناريمان إبراهيم( ) شاعرة فلسطينية متميزة، وصوت أنثوي ذو طابع إنساني، لها حضورٌها الرائعٌ في المشهد الشعري، ولها قوةُ شخصيَّةٍ لا مثيل لها، فشعرها صرخة أنثوية أدبية في عالم الفن، ويمثل ديوانها الشعري (قادمة إليك) رائعة من روائع الأدب والفن.

تمكَّنت الشاعرة بما تمتلك من طاقات شعرية مدهشة أن يتشرف اسمها بالدخول في موسوعة الشعر النسائي العربي المعاصر ضمن الشاعرات الفلسطينيات اللواتي لهن خطوات رصينة على أرض الواقع ممن طبعت دواوينهن الشعرية، وتركْنَ بصمة مميزة بخاصة، فهي تتمتع بموهبة شعرية واعدة وأصيلة.. جعلت شعرها ينبثق من قلبها وفكرتها وينساب رقراقاً عذباً كانسياب الماء في الجدول.

هذه هي المجموعة الشعرية الثانية التي تصدر في الجزائر عن دار كنعان سنة ٢٠١٩م، لقد كان لي شرف الاشتراك في حفل توقيع المجموعة الأولى بورقة نقدية، واليوم تشرفني الشاعرة بالحديث عن ديوانها الثاني في حفل التوقيع هذا، والذي يتألف من أربع وتسعين صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على خمسين نصاً شعرياً.

والمتأمل في مجموعتها الشعرية الثانية، يكتشف أنها تمثل نقلة نوعية في الرؤية والبنية، وأن ثمة تحولاتٍ جوهريةً في عالمها الشعري، وأن هذه التحولات لم تكن وثبات في الفضاء بلا معنى، بل مرت في تجاربها بمراحل فيها سلاسة وتؤدة، إنها لا تمتاح في شعرها من المتداول الشعري، وإنما تسعى إلى التميز والتفرد بين مجايليها من الشعراء، وهذا ما يتضح في ديوانها (قادمة إليك )، وأن ثمة جهداً كبيراً بذلته الشاعرة في تطوير تجربتها الشعرية، وتطويع أدواتها الفنية، فجنحت للتكثيف والاختزال والاقتصاد في التعبير، والرمز، واستعانت بجماليات اللغة وبيانها، وتعددت المضامين الفكرية في شعرها، وجنحت لتوظيف البنية السردية في بناء قصائدها. وتوظيف الصورة الشعرية التي تعد من منظارها الخاص الوسيلة الجوهرية في نقل التجربة، والتأثير في ذائقة المتلقين.

لعل أنجع السبل لدراسة شعر الشاعرة ناريمان المكان المليء بالذكريات - في وكدي- هو دراسة الصورة الفنية في شـعرها، تلـك الصـورة التي ينصهر فيها الخيال والفكر والوجدان في بوتقة واحدة هـي بوتقـة اللغـة الشعرية، والتي تُمكّن المتلقي من الكشف عـن أعمـاق ذات الشاعرة، وأفكارها، ورؤيتها الفنية، وتبرز ملامح العصر، وخصوصيته، وأثره فـي الشعر.

إن الصورة الفنية مكون أساس من مكونات بناء القصيدة، وهـي تحقق قدراً كبيراً من الوحدة والانسجام القصيدة، إذ من خلالها يستطيع الشاعر أن يبرز الحالة النفسية، ولا بد للصورة التي تكون عنصراً فاعلاً في بناء القصيدة العام، أن تلتفت إلـى مجموع الصور الجزئية في صورة كلية متماسكة، وتكسوها حالـة شـعورية موحـدة، وتوضح موقفاً ثابتاً من الموضوع الذي تتحدث فيه، والذي هو جزء من رؤية صاحبه.

فمن المميزات التي تشد انتباه المتلقي في هذا العمل الأدبي الجميل؛ تلك الصورُ التي رسمتها الشاعرة بمهارة وإتقان، وتمكنت - باقتدار شعري - مدهش أن تمتلك أدواتٍ شعريةً ترسم بوساطتها الصورةَ التي تخلق الرؤية، فالشعر عندها "رسم بالكلمات "، أو "تركيب لغوي" تؤدي فيه الصورة الشعرية وظيفتها في إبراز جماليات المعنى والمبنى .

إن أجمل سمة من سماتها الشعرية هو امتلاك ناصية التعبير عن تجاربها الشعرية باستخدام الصورة الشعرية؛ الأمر الذي يدفع المتلقي إلى القول إنها شاعرة الصورة الفنية بامتياز، إنها تمتلك قدرة رائعة على تصوير الشعور ورسم الإحساس، والمعنى، ونقله للمتلقين بعذوبة ورقة.

لقد كان لصوره الشعرية التأثير المباشر في ذائقة المتلقي، فجاءت صورها صادقة صدقاً واقعياً وصدقاً جمالياً فنياُ معاً،

إن آلية بناء الصورة عندها تتسم بدقة واضحة، كذلك اختيارها الموفق في إدراك بلاغة المفردة الشعرية القادرة على أن تمنح الكلمات ظلالاً وايحاءاتٍ معبرة بحيث يشعر المتلقي أنه يقرأ صوراً شعرية مموسقة ينبعث منا جرس موسيقي شفيف فالشاعرة تحلق بعيداً في عالم من الإحساس والشعور، عبرت بالصورة الفنية عن قضاياها وموضوعاتها الفكرية والوجدانية، ومن المعاني اللافتة التي استجلبتها النصوص الشعرية بطريقة بدهية؛ الحبُّ، فتحدثت؛ بوصفها أنثى عن الحب، وما يتعلق به من معاني اللوعة والحنين، والحزن، والوحدة، والشوق والألم، وحنين البعد واللقاء، فاتسم شعرها بالرقة والحلم والدفء والجرأة، استطاعت من خلال أشعارها التعبير عن المرأة ومشاعرها وأحلامها وأفكارها بقدرة فريدة .

فهي امرأة جبلت بالشعر حباً.. فلا تراها تعالج قضاياها إلا بالحب، وربما نحتت من خيالها حبيباً تناجيه وتبثه مشاعر المرأة الأنثى، فتُوهم المتلقي أنها تتحدث عن حبيب حقيقي واقعي.

 حملت أشعارها إحساسا عميقا بالحب الإنساني، وتلك قمة الفن وجمالياته. تقول في قصيدة (يسبقني النبض) :

لأني أحبك

أتعثر دوما بركن أذرف فيه نجواي

 عبر تقوب ناي قلبك الحالك

 يسبقني النبض ببطء خطوتي

 أتعثر باسمك

حين يومض كالبرق أناديه بعذرية النهر

المغموس في فمي أن تعالَ

 كي نعيد للحياة بسمتها مدرارة

 حين تسجع كسجع الحمائم وعمر اليفاع

نسرق من ذراع الشمس قنديل ضياء

فتنمو الأهازيج الغضة في جسد الحرف

أغنية وثغاء

كصدح الحساسين إذ تعود إلى أيكها

وصفصافة نستظل بها حتى مطلع الفجر

أيا ودق الزنابق في ربا الحدائق

وأنشودة منقوشة على ثغر المطر الشهي

ليته ينتصف الزمن على ذمة الحنين!!

ألا ليتك تأتي

ولا تخذلنا يد القدر!! (ديوان قادمة إليك ص24 ).

 وفي نص شعري آخر تتغنى بعاطفة رقيقة وصورة شعرية مثيرة بالحبيب، تقول

لعينك تحرسني نوارس المساء

وتخلع الصبوات أبوابها

لعينيك يرتعش شرشف الفجر

 محتضناً ندى اشواق

 مبتلة في دروب عتمتي

لعينيك أسفك كل أشعاري

 بين أزقة الأقداح

وأنت تصب نبيذ صوتك في كأسي

 تسافر وتهديني الضياع

 ثم تأتي

 توزع الياسمين بما طاب لك من رحيق

 وتغادرني بلا قدمين أعود في كل مرة أحبو اليك مرغمة يتملكني الغرام