آخر الأخبار

إلى صديقي للشاعر عصام عبود

إلى فادي الحدّاد 

منذ فترةٍ قصيرة وأنا متوقّفٌ عن الكتابة ، وبشكل أكثر وضوحاً إنّني متوقِّفٌ عن الحياة كلّها .

الأمر بسيطٌ يا صديقي المنتحر

فأنا لا أشعر بقلبي ، وكأنه قطعة حنينٍ يابسةٍ أو ندبة زائدة عن جرحٍ قديم

أتلمّس مكانه كلّما استطعت ذلك ، أمشي بسرعةٍ كالأبله لكي أدفعه إلى الحركة ، أدخِّنُ بشراهةٍ مفرطةٍ -أظنك تعرفها- لعلّه يؤلمني قليلاً أو ينذرني بأنه ما يزال حيّاً ولكن لا جدوى من ذلك ، لقد خسرتُ قلبي .

وما كان ذلك ليحدث

لولا أن الإفراط في كل شيءٍ يكسر المفرطين بحرفيةٍ عاليةٍ

ويجعلهم وحيدين جداً 

ومليئين بالصراخ الجاف لذلك يموتون حاملين بأجسادهم الكثير من العزلةِ وبقعِ الدم المتجمدة التي تظهر على ملامحهم فجأة 

إن الخوف من فقدان من نحب يجعلنا نفقد أنفسنا

ولذلك اتفقنا على أن نتبادل القصائد المكسورة، والضحك، والسجائر المهترئة ، وحتى أحزاننا الفارغة من البكاء .

وفي كلِّ مرةٍ نلتقي نحاول أن تأتي النهايةُ دون وداعٍ فمن فرطِ عناقنا للذين رحلوا امتلأت أجسادنا بالحنين ولم تعد تتَّسعُ لأي عناقٍ آخر 

هل ضحكتْ علينا الحياة يا فادي ؟ 

نعم لقد ضحكت علينا عندما أعطتنا الكتابةَ كلها ولم تعطنا حبيبةً واحدةً لكي نقايضها على دفاترنا ونصوصنا بقبلةٍ ضئيلة

لقد خدعتنا عندما صدقنا الواقعية السحرية الخاصة بغابرييل غارسيا ماركيز ، وخورخي بورخيس، وقبل أن ننتهي من رسالةِ انتحارنا، اغتالنا العالمُ برصاصةٍ فجّةٍ 

أظنُّ أنَّ كل شيءٍ قد سخر منّا 

حتى محاولاتنا الفاشلة في صياغةِ قصيدةٍ على البحر الطويل -فعولن مفاعلين فعولن مفاعيل- 

تسخر من حرصنا على ألا ينكسر وزنٌ لدينا بينما تنكسرُ عظامَ أمهاتنا الوحيدات أمام أعيننا من فرط التعب دون أن ننتبه. 

صديقي الكاتب النحيل الذي يحاول أن يجعل الكلمات جزءاً من الحواس الخمسة 

إياكَ أن تصدِّقَ بوكوفسكي مثلي وأن تمتنع عن الكتابةِ إلا عندما تحتاجها

الكتابةُ وحدها جعلت فيديريكو لوركا نبيّاً يتعكّزُ على رؤياه وينحتُ قبره بإبرةٍ 

"وعرفت أنني قتلت

وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافن والكنائس

فتحوا البراميل والخزائن

سرقوا ثلاث جثثٍ

ونزعوا أسنانها الذهبية

ولكنهم لم يجدوني قط" 

إياكَ أن تحبَّ الشِعرَ أكثر من الحياةْ، فالشعر صرخة صامتةْ

وأما الحياة فعليكَ أن تصطادها بنقيفة النكاتْ وبندقيةِ الضغط 

أنا لا أفهم في الريّاضيات، تحدثني عن الجذر التربيعي

فيخطر على بالي جدول الضرب ونظرية فيثاغورس التي رسبتُ فيها بالصف التاسع

ولكن لأنَّني أحبُّك فقطْ تعَلَّمتُ العناق من أجل وداعنا الأخير.

هامش: لم تستطع جائزة نوبّل بحجمها الهائل أن تغطي طعنة سكين في رقبة نجيب محفوظ