تُعرف الدراسة عن بعد بأنها عمليّة الفصل بين المتعلّم والمعلّم والكتاب في بيئة التعليم، ونقل البيئة التقليديّة للتعليم من جامعة أو مدرسة وغيره إلى بيئة متعددة ومنفصلة جغرافيّاً. والتعليم عن بعد هو ظاهرة حديثة للتعليم تطورت مع التطور التكنولوجي المتسارع في العالم، والهدف منه إعطاء فرصة التعليم وتوفيرها لطلابٍ لا يستطيعون الحصول عليه في ظروفٍ تقليدية ودوامٍ شبه يومي.
وبدأت فكرة التعليم عن بعد أواخر السبعينيات من القرن الماضي من قبل جامعاتٍ أوروبية وأميركية كانت ترسل مواد التعليم المختلفة للطالب عن طريق البريد وتشمل الكتب، وشرائط التسجيل، وشرائط الفيديو لشرح المواد وتدريسها، وبنفس النمط كان يتعامل الطالب مع الفروض والواجبات الدراسية، مع اشتراط هذه الجامعات على الطلاب أن يأتوا إلى الجامعة موعد الاختبار النهائي فقط والذي تحسب عليه العلامة.
وفي أواخر الثمانينيات تطور الأمر ليصبح التواصل بين المعلّم وطلابه عن طريق التلفاز والمحطات الإذاعية، ثم مع ظهور "الإنترنت" أصبح في البداية البريد الإلكتروني هو وسيلة التواصل بين الطالب والمعلم حتى بداية القرن الجديد، فأصبحت هناك المواقع الإلكترونية المتخصصة في هذا المجال، حيث سهّلت من عمليّة التواصل والتعلم ووفرت حلقات النقاش والاتصالات المباشرة عبر المواقع والبرامج المتخصصة في ذلك.
المحاولة الأُولى
وبالعودة إلى التاريخ، نجد أن أولى محاولات التعليم عن بعد كانت في عام 1728م عندما تم نشر اعلان في جريدة "بوسطن جازيت" للمدرس "كاليب فيليبس، مدرس الطريقة الجديدة المسماة اليد القصيرة"، والذي خاطب الطلاب الراغبين في التعلم من خلال الدروس الأسبوعية بالبريد. وفي عام 1840 قدم إسحق بيتمان أول دورة تعليمية عن بعد بالمعنى الحديث في أربعينيات القرن التاسع عشر، حيث قام بتدريس نظام الاختزال عن طريق إرسال نصوص مكتوبة بشكل مختصر على بطاقات بريدية وتلقى نسخ من طلابه مقابل التصحيح. وفي عام 1873 تأسست أول مدرسة مراسلة في الولايات المتحدة هي "جمعية تشجيع الدراسات في المنزل "من أجل نشر التعليم بين الأميركيين.
ثم تأسست جامعة أكسفورد عام 1894، وكانت أول كلية للتعليم عن بعد في المملكة المتحدة.
فصل كامل..
وللتعليم عن بعد خصائص أهمها الفصل بشكلٍ كامل بين الطالب والمدرّس وبيئة التعليم وحتى زملاء التعليم طيلة فترة الدراسة، إضافة إلى وجود وسيلة اتصال تكنولوجية متطوّرة بين الطالب والمدرّس يتم من خلالها تبادل المهام والواجبات التعليمية، والاعتماد بشكلٍ شبه كلي على الطالب نفسه في فهم واستيعاب المادة الدراسية.
ويعرف التعلم عن بعد باستخدام تقنيات الاتصال في العملية التعليمية، وهي إحدى الظواهر التي انتشرت مؤخراً في العديد من المعاهد والمؤسسات والجامعات وفي عدة تخصصات مختلفة، وهي مخصصة للأشخاص غير المتفرغين والعسكريين والأفراد المقيمين في المناطق النائية، ما يمنع وصولهم إلى أماكن المحاضرات. ويوفر التعلم عن بعد مزايا عديدة للجامعات والطلاب، فبالنسبة للطلاب تمكنهم من العمل في أي وقت يناسبهم، أما بالنسبة للجامعات فهي تستفيد من وجود عدد إضافي من الطلاب دون الحاجة إلى بناء فصول دراسية أو سكن لهم.
فوائد عدة..
وللتعليم عن بُعد فوائد عدة تتمثل فيما يلي:
المرونة: حيث تمنح للطلاب خيار المشاركة إذا كانت هناك رغبة في ذلك واختيار الوقت الذي يناسب الجميع
الملاءمة: تعني أن هناك انسجامًا بين الطلاب والشخص الذي يلقي المحاضرة.
الفاعلية: أثبتت الأبحاث التي أجريت على هذا النظام أنه يؤثر على ما يعادل أو يتفوق على نظام التعليم التقليدي، خاصة عند استخدام تقنيات التعلم عن بعد بكفاءة.
القدرة: حيث يتميز هذا النوع من التعليم بأنه لا يكلف مبالغ طائلة.
تعدد الإحساس: وهو موجود في هذا النوع من التعليم بعدة طرق لإيصال مادة الدراسة، مثل التفاعل من خلال برامج الكمبيوتر، أو دراسة المادة المسجلة من خلال استخدام أشرطة الكاسيت، أو دراسة المادة على التلفزيون.
وفي عهدنا الحالي أدت جائحة "كوفيد-19" إلى إغلاق الغالبية العظمى من المدارس في جميع أنحاء العالم. وانتقلت العديد من المدارس إلى أسلوب التعلم عن بعد عبر "الإنترنت" عبر الأنظمة الأساسية بما في ذلك منصات "زوم" و"سيسكو" و"يبيكس" وقاعة دراسة "جوجل" و"مايكروسوفت تيمز" وغيرها.
وظهرت العديد من المُبادَرات الداعمة للتطوير الذاتي لمهارات المعلم والطالب في استخدام استراتيجيات التعلم عن بعد لمواجهة الجائحة، فيما نشأت مخاوف بشأن تأثير هذا الانتقال على الطلاب بسبب مشاكل الاتصال الثابت بالأنترنت.
وينقسم التعلم عن بعد إلى قسمين رئيسيين، هما:
الإرسال المتزامن: يتم هذا النوع من الاتصال بين الطالب والمحاضر في الوقت الفعلي.
الإرسال غير المتزامن: وهو أن يقوم المحاضر بتوفير المادة الدراسية من خلال الحاسب الآلي أو الفيديو أو بأي وسيلة يستطيع الطالب من خلالها جمع المحاضرات في أي وقت لاحق.
وللتعلم عن بعد بالتأكيد العديد من المزايا والعيوب حيث يقدم هذا النمط من التعلم عدة مزايا نلخصها في الآتي:
تزويد الطلاب ببديل مرن بدلاً من التعليم التقليدي.
منح الطلاب فرصًا أكبر للحصول على التعليم.
تمكين الطلاب ذوي الإعاقة من الالتحاق بالفصول الدراسية.
توفير المال من خلال عدم سفر الطلاب للحصول على التعليم.
السماح للطلاب بالاختيار من بين مجموعة متنوعة من الدورات.
المساعدة في تنمية مهارات الطلاب.
المساعدة في تحسين الانضباط الذاتي لدى الطلاب.
تعزيز الشعور بالمسؤولية بين الطلاب.
تنمية مهارات إدارة الوقت لدى الطلاب.
تحسين المهارات الفكرية المستقلة للطلاب.
وليس من الضروري أن يكون الطالب والمعلم في نفس المكان لتبادل المعلومات. ويمكن التعليم عن بعد الطالب من مشاهدة المحاضرة إلكترونيًا أو بصيغة نصية أو مرئية أو صوتية ، في أي وقت يناسبه ، دون الحاجة إلى مقابلة الأستاذ. ويعيد الطالب مشاهدة جزء معين من المحاضرة وهذا يصعب تحقيقه في المحاضرات التقليدية.
استخدام الحاسب كوسيط لاستغلال سرعته وإمكانياته في العملية التعليمية.
المساعدة في توفير التعليم للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل كلفته ؛ لأن التعلم عن بعد مفتوح للجميع من جميع الأعمار أو الانتماءات.
تقليص الطاقة الاستيعابية للجامعات، حيث أن هذا النوع من التعليم لا يتطلب الحضور إلى موقع الجامعة لتلقي التعليم.
ونلاحظ مما تقدم أن التعلم عن بعد يساهم بالوصول إلى التعليم والتدريب لكل من عامة الناس والشركات لأن هيكله الزمني المرن يقلل من آثار قيود الوقت العديدة التي تفرضها المسؤوليات والالتزامات الشخصية. كما أنه ينقل بعض الأنشطة خارج الموقع ويخفف بالتالي من قيود القدرة المؤسسية الناشئة عن الطلب التقليدي على المباني المؤسسية والبنية التحتية.علاوة على ذلك، هناك إمكانية لزيادة الوصول إلى المزيد من الخبراء في هذا المجال والطلاب الآخرين من خلفيات جغرافية واجتماعية وثقافية واقتصادية وتجريبية متنوعة. نظرًا لأن السكان عامة يصبحون أكثر انخراطًا في التعلم مدى الحياة بعد سن الدراسة العادي، وقد تكون دورات الأعمال التجارية لتعليم الكبار مربحة بشكل خاص.
وللتعلم عن بعد العديد من العيوب، التي تتلخص فيما يلي:
لا يوجد اتصال مباشر بين الطالب والمعلم أو المحاضر، ولكن بعض المؤسسات التعليمية تقدم الدعم الأكاديمي من خلال استخدام البريد الإلكتروني أو الهاتف أو الرسائل الفورية.
لا يوجد تفاعل بين الطلاب، ولكن يمكن لبعضهم التفاعل عبر الإنترنت، أو يكون التفاعل من خلال تشكيل مجموعات دراسية خاصة.
الحاجة إلى قدر كبير من الانضباط الذاتي، وفي معظم الحالات لا يوجد أحد للتأكد من حصول الطلاب على التعليم في الوقت المحدد.
يحتاج المعلمون إلى تدريبهم على أمور عدة، منها: استخدام الإنترنت، إضافة إلى التدريب على استخدام برامج خاصة لنشر محاضرات أو إنشاء صفحات على الإنترنت، ويحتاج الطالب إلى تدريب على استخدام الإنترنت ، واستخدام البرامج التي تساعد على تبادل المعلومات مع المعلمين.
ضرورة توفير بيئة تكنولوجية أساسية من خلال الجامعة أو الوكالة التي توفر برنامج التعلم عن بعد وهو من الأنظمة غير المتوفرة لجميع الجهات التعليمية.
توجد مشاكل في عرض موجة "الإنترنت" وسرعتها ، والتي يتم من خلالها تبادل المعلومات مع مزود الإنترنت. ويمكن للطالب استخدام "الإنترنت" عبر الهاتف المنزلي، ولكن يحتاج الطالب إلى سرعة أكبر لعرض المحاضرات على ملء الشاشة، دون حدوث قص بالصورة أو الصوت.
احتمالية حالات غش الطلاب أثناء أداء الامتحانات الإلكترونية ، لذلك لا يضمن المعلم ما إذا كان الطالب هو الذي قدم الاختبار أو غيره ، ولكن هناك بعض الطرق لمنع الغش من خلال طلب الاسم وكلمة المرور من الطالب لكن هذه الأشياء لا تكفي للحد من هذه الظاهرة .
بقي أن نشير إلى أن ظاهرة التعليم عن بعد التي لا تعتبر حديثة، بل لها تجارب قديمة وناجحة أصبحت تشكل عصب الحياة في العديد من التوجهات بين الطالب والمعلم وبين الطالب والمحاضر وستبقى في طل تقنية "الانترنت" العالية جدا، الوسيلة المثلى للتغلب على كل الظروف والمعيقات البيئية والمناخية والاقتصادية وحتى السياسية . وحتما ستمنح الثقة للقائمين على مؤسسات التعليم في مختلف أنحاء العالم بتطوير الدراسة حتى يستفيد منها الطلاب على أفضل وجه.