آخر الأخبار

دراسة نقدية لرواية أقسى الشهور للكاتب شاكر الأنباري بقلم انتصار العيسمي

 

 

الخوف مؤقت لكن الذكريات دائمة: أتى بوجهه الأصفر، وكلماته التي تنم عن قسوة وألم ما يحمله، لكنني لم أمنع نفسي من بدء المغامرة معه، وبرغبة شديدة للتماهي أدخلته غرفتي وأدق تفاصيلي ليستقر بين يدي تارة، وعلى صدري تارة أخرى. لم يماطل حتى بدأ يقص لي مغامراته، وخيالاته التي لم أكن لأصل إليها إلا من خلال عقله الذي تخطى سطحية العالم ليغوص في أصغر نانو أو يحلق إلى أكبر نجم .أمسكته بين يدي، أتحسس خوفه، والهدف واضح، يجب التماهي حد تدفق الأدرينالين كما كان يتدفق في جسده، كل ذلك جرى لي وأنا أمسك برواية أقسى الشهور لشاكر الأنباري. 

لم أتردد لحظة للانفراد به منتظرة الدهشة، الحب، الرعب، الترقب، وربما الأمل في أن أكون المجسد لجنونه، وخوفه، وغرابة خيالاته، هو المتحدث البارع الذي كان ينقلني من حكاية لأخرى دون عناء، بل ويتقمص شخوص حكاياته أيضا. استدعى شخصا اسمه عادل ليختفي ويظهر من خلاله، وعادل مرتبط مع كأس نسيانه، سجين ذكرياته وعقله، ومثال واضح لدمار الإنسان. لا يعيش إلا إذا غاب حسه بالواقع، ولم تفلح حتى إقبال زوجته بقمة شهوته ورغبته في أن يعيش معها ذلك الواقع. جعل منها ممثلة لكل امرأة يشتهيها، ولم أفهم كيف كان ذلك التصرف لا يزعجها أو يجرحها، فمن أفهمها أنها فقط أداة لشهوته ويجب تأديتها على أتم وجه؟ لم أستطع الإبتعاد عن الكتاب كثيرا، أنهي ما يتوجب علي وأعود مسرعة إليه ليكمل سرد قصصه المكثفة، بتفاصيلها فأجده الراوي وشخوصه، حتى حين حدثني عن سيف العروس سمعت تلك الألحان التي أطلقت روحه وجعلت جسده يتمرد على جموده. كما شممت عطر سعد الحلاق ولامست نعومة أنامله التي تداعب رؤوس زبائنه على إيقاعات موسيقاه. 

نعم إنه التغيير، كلنا نستحق الحياة والحق في التعبير عن ذواتنا .....مجرد حلم .....لكنه يسحق بكل قسوة، وبوحشية تفوق خيال شياطين جهنم. هل سينبت مكان دمائهم يوما ما ربيع؟ رنين كلام سعد في تلافيف رأسي (نحن ورثة الدم) لقد خفق قلبي بشدة، وبكيت بحرقة. أردت أن أغادرك قليلا فما زالت حمراء دماء جامع النور، والرسالة المجهولة حاملة الموت تقول إن هناك المزيد والمزيد من العبث والموت. هذه الرسالة المجهولة، والجاهلة لك حملتك على المضي إلى صحراء الخوف والمجهول لتشتم زنخة الموت المنتشر على اتساعها، وعفونة المؤامرات وتكاثر الأشباح. الأشباح هم ذاتهم من أخذوا أبا هند، لكن من هو أبا هند، هل هو شبح أيضا؟؟؟ لا عقل ولا منطق، هي الغرائز التي تحكم بجهل .غريزة الخوف الملتصقة بغريزة البقاء. هذا في حين أن هناك مهربا ما، لكن هل أحست نور بجانب أطفالها أن هناك مخرجا حين اقتحم مسلحون جبناء فناء بيتها؟ لم يخطئ صمويل كونت حين قال: الآن يتساوى الجبان أمام الشجاع . عجز وخوف وذلك هو الموت غير المعلن، حتى سامي ورامي بدأا يلعبان مع الموت بصوت الانفجارات والخطف وروائح البارود المنتشر، ولم يسلم سمك النهر من وحشية الواقع، بل بدأ بالتهام ما يسقط لعمق القاع من جثث وقتلى. ذلك السمك الذي حمل بين خلاياه ضحايا العبث، وسنحمله نحن وأولادنا، وسنأكل بعضنا بواسطته، فربما القتيل يعرف قاتله 

لقد قلت ذلك : إن الناس هنا فقدت الدهشة، وكيف لا، في حين أصبح الموت عادة وهو السقف الأقصى للمشاعر. في ذلك اليوم الغامض أصبحت أنانية جدا، دخلت إليك و منعت أي واحد من الدخول، أردت أن أفهم، لقد شوشت خيالي وواقعي، لقد أضعت الخط الفاصل بينهما. لكني سأتابع معك المجهول رغم خوفي مما وصفتهم بالأشباح الذين أتوا من عتمة العصور. أصبحت أتفقد غرفتي ربما هم حولي أو تحت سريري، خلف نافذتي يراقبون خيالي وما تقوله لي، أليسوا هم من سرقوا أو خطفوا أو قتلوا جواد ذلك الحالم بالسلام والطمأنينة في زمن الكوابيس، ومصير جواد المجهول كمصير هذا الوطن .

هزني سؤالك هل كان باستطاعتك إنقاذ سعد أو جواد؟ نعم يا صديقي أنت صوتهم وحلمهم. جلال ملك .....أين أنت؟ هل قتلتك الأشباح ؟؟؟ جلال .... أنت حي، وكيف لا وأنت تعيش بين ضفتي كتاب. 

لم يكن كتابا بل كان حياة من نوع آخر، أقسى الشهور مؤلمة يا صديقي.

انتصار العيسمي