آخر الأخبار

هناك تحت شجرة الزيتون ل أكثم الحسين من سورية

هناك، تحت شجرة الزيتون التي تتقدم أرض البيت، باتجاه البوابة الخشبية التي لم تقفل يوما، كنا صغارا، أتقنا اللعب بالوحل بعد محاولات كثيرة لذلك، كأن نصنع رجلا منقوص التكوين أو امرأة بلا وشاح أسود يغطي شعرها الذي كان غالبا من أوراق السرو.

 أتقنا اللعب بالوحل الذي أتقن الشغف الغريب بين التراب والماء المسكوب على الجذع لتنمو الشجرة على مهل ونكبر نحن بسرعة!

كنا نصنع أجسادا من طين، نشكل وجوهها بملامح نختارها حسب ما نراه ولا نفهمه: أنف طويل أو مدبب، شفاه غالبا ما كانت مبتسمة، عيون عابسة محفورة في الوجه, مفتوحة دائمة، جروح في الجبهات، وأياد كنا نمزجها بالحصى لشدة خشونتها.  

 كنا صغارا، نصنع عائلة من وحل، ننتقي ملابسها من ثوب عتيق كانت أمي ترتديه عندما تجالس تنورها، نحضر ورقا أبيضا من مكتبة أبي, نرسم عليها أرقاما لا ندرك قيمتها, ونجعل منها نقودا لتشتري العائلة كل شيء من مملكة الوحل.

بعد اكتمال التشكيل من وجهة نظر قلوبنا كأطفال، كنا نحرك الناس بعلاقات بسيطة، نتحدث عن لسانها في الغزل العذري عندما تحب، ونجعلها مضحية وكريمة كالناس الذين نعرفهم من طفولتنا، وحتى وإن تصادمت فلنا من الوحل الكثير لتشكيل يد كالتي فقدتها أو قدم, ولنا من الأوراق الكثير من المال.

 كنا صغارا, فلم نكن نختار دينا أو حزبا , فكل ما اجتهدنا فيه أن حاولنا بعد ضجرنا من سكوتها الدائم أن ننفخ فيها الروح، وأذكر في تلك اللحظة كيف امتلأت شفاهنا بالوحل, وكلما ازداد زفيرنا كلما ازدادت وجوهها يباسا! 

الآن كبرنا، نسينا لعبة الوحل القديمة، بعد أن تقمصناها في كل تفاصيلها، فأصبحنا أجسادا يابسة ولكن دون أن يحاول أحد بث الروح فينا، نبحث عن ملامح ولا أحد يصنع لنا فما مبتسما، نحاول كساء جلدنا بكثير من الثياب ولكنها دائما تفرض لونها لون السواد والحداد. نحاول البحث عن يد كانت لنا ولكن الوحل لم يعد كافيا لكل هذا الفقد الذي حصل. 

هناك تحت شجرة الزيتون بجانب البوابة الخشبية التي ستقفل، أستذكر الطفل الذي كان يصنع نقودا من ورق وأقدم له أوراقا ليشتري حياته من جديد ولكن الفارق بأن الأوراق باتت مملوءة بكل ما حدث من الحرب, من الطفولة إلى الكهولة , على الرغم من كوني لا زلت شابا, ربما!