أفتش عن أحلامي في كومة من القش... إن ظهر منها الرأس اختفى منها الجسد!
تركتُ بني يعرب يلملمون حبات المطر عن أسقف منازلهم وأدرتُ المذياع لأستمع إلى آخر أخبار الريح التي أرسلتها في إثرك بعد آخر اختفاء لك عندما وضعت الحرب العالمية المتوسطة أوزارها على باب خيمتك فطارت الخيمة وطارت مع الريح بقايا نكبتك.
الريح عادة لا تَصدُق الخبر، و حمائم السلام شُغلت اليوم عني بنقل أخبار: الموتى، الجوع، الحصار، الانتحار، الحروب، الفتن، المصائد، الأنفاق، أوجه النفاق الأربعة، وكل ما يمت بصلة إلى وحوش الغابات التي قرأنا عنها أنا وأنتَ في كتب التاريخ القديمة عند بوابات الصغر.
أنتَ كلما كبُرتَ في الحلم، واستوت عناقيدك، وتدلت من عليين، قلتُ في نفسي ولنفسي: آن الأوان كي يتفجر الحلم ويلدَ عصفورًا يدق بيدٍ مضرجة بالعشق نوافذ الضجر في أيامي، ويتعلم معي كيف ننسج حكاية لا تبلى، ولا تُقهر، ولا تُمزقها أيادي الغجر!
أما أنا فكلما رسمتك حلمًا أرتطمُ بأقبية الأرض فيتهشم الحلم، ويتهشم قلبي، وتتناثر أشلاؤه في الأفق... تهبط على يميني بنفسجة، وعلى يساري أقحوانة، وترسم الشمس عينيها ببقايا الحلم، والقمر يعقد حاجبيه على الجبين اللجين ويكتب رسائلَ من الغزل إلى عذراء النجم الثاقب.
وكلما رسمتك عصفورًا في أحلامي، وأردت أن أحلق بك ومعك، تداهمنا قوافل الغجر فتقضم بضراوة الغدر طرفًا من أجنحتك فتطير ثم تقع! وكلما أردت أن أطير بك تقع أنتَ، ومعك أقع أنا، ويتعثر الحلم، وتتمزق تضاريسه، وتتبدد ملامحه، ويعود غريبًا كما أتى!
وكلما رسمتك بحرًا غرِقَت فيك سفن، وتحطمت لوجعها قلوب الصيادين، وأصبحت أسماكك أكثر شراسة من الحيتان... تصعد مع الموج، تُنقب الشواطئ عن لحوم أدمية لتفترسها وتمضي ويتبدد الزبد عن هياكل بشرية كانت تستمتع بزرقة البحر.
تتبدد أنتَ، يتبدد الحلم، تتبدد أحلامي كزبد البحر فأعود إلى الحياة فارغة اليدين منك، ومن البحر، ومن الحلم، ومن سنوات ضاعت هباءً في نسج أحلامٍ أوهن من بيت العنكبوت.
وأمدُّ يدي في جوفي فأخرج ورقة بيضاء وريشة عصفور وأحاول أن أرسمك من جديد حلمًا لا يتبدد كزبد البحر... لا أتوب عنك، لا أتوب عن حلمي... أنا لا أتوب!
